الكتابة العلاجية .. وبين السطور دواء للجروح
من المؤكد أنك سمعت عن هذا الذي يكتب يومياته قبل خلوده للنوم، ولعل أحدهم قد حدثك عن أنه كثيرًا ما يُحدث الأوراق، بل نحن نرى كل يوم على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي من ينقل لنا آهاته وأحزانه والهموم التي يحملها في قلبه أو حتى يراها من حوله، هل تعلم أن الكتابة تعتبر نوعًا من العلاج النفسي الفعّال؟!! لا تندهش.. بل قد يتعدى الأمر مجرد العلاج ليكون وقاية من كثير من الأمراض وهموم الحياة، هذا مايسمى الكتابة العلاجية ، وهو ما سنقتحم غماره اليوم لنستخلص منها أمورًا قد تغير حياتك.
لماذا نكتب ؟
بالنسبة للكثير من الناس تعد الكتابة وسيلة للتعامل في بعض المصالح والشؤون اليومية، وبالنسبة لآخرين هي حياة خاصة موازية لحياتهم ينقلون على السطور ما يدور في ثنيات قلوبهم وماتختلج به الصدور من أمور لايعلم مداها إلا الله وحده.
حين تعلم أهمية الكتابة العلاجية صدقني ستصبح الكتابة طريقة لا يمكن الاستغناء عنها لتخفيف الضغوط اليومية عن نفسك وعقلك، بل وسيكون القلم ودفترك الخاص صديقك الصدوق وأنيسك الذي يهون عليك صعوبة الأيام ومرارة لياليها.
اقرأ أيصًا: أشهر 10 كتب في التنمية البشرية
كيف بدأت الكتابة العلاجية ؟
على مر العصور استخدم الناس الكتابة في شتى مجالات حياتهم، لكن الكتابة العلاجية على وجه الخصوص بزغ فجرها الرسمي في منتصف الستينات على يد عالم النفس الأمريكي إيرا بروغوف حيث ابتكر طريقة للعلاج النفسي أسماها طريقة” Progoff “.
وفي عام 1986 جاء جيمس بيكر عالم النفس الشهير ليطور استخدام الكتابة العلاجية عن طريق تجربة أجراها على مجموعة تلاميذ لمدة 6 أشهر ألزمهم خلالها بالكتابة يوميًا ولمدة 15 دقيقة ليؤكد نتيجة مذهلة وهي أن التلاميذ تمتعوا بصحة نفسية وجسدية أفضل بعد ممارستهم هذا التدريب اليومي.
ثم توالت الدراسات التي تؤكد حتى يومنا هذا فوائد الكتابة العلاجية للجميع سواء من يعانون من مشكلة فعلية أو حتى من يرغبون في تطوير أنفسهم وتقويتها.
اقرأ أيضًا: كيف أكون سعيد
فوائد الكتابة العلاجية :
يوجد عدد كبير من الفوائد التي نحصل عليها من ممارسة الكتابة العلاجية، أبرزها تخفيف الضغط النفسي والعقلي، هناك مئات الأفكار التي تمر على عقلك يوميًا لن تتحمل أن تحتفظ بكل هذا داخلك يجب أن تستخرجها لتهدأ، كما أن الكثير من المشكلات لن تجد لها حلًا وهي بداخلك عليك أن تستخرجها على الورق لتراها من منظور آخر وستجد لها حلًا حينها أو ربما حلولًا.
لماذا نستخدم الكتابة العلاجية؟
من المؤكد أن الجميع لا يملكون ذات القدرة على حياكة الأفكار في كلمات وجمل وعبارات، بل إن البعض يجد الكتابة مهمة شاقة ومؤلمة في بعض الأحيان.
لكن الهدف من الكتابة العلاجية ليس إظهار القدرات الأدبية ولكنها طريقة مثالية للعلاج الذاتي توفر لك فرصًا ومميزات مذهلة منها:
التعبير عن مشاعرك وعواطفك:
مهما كان شكل الكتابة المستخدمة، فإن الهدف ليس إنتاج عملًا فنيًا أدبيًا كما ذكرنا. الأهم هو التعبير العاطفي عما بداخلك لإفراغ تلك الشحنات التي تملأ عقلك وقلبك، أفرغ الشحنات السلبية بداخلك على الورق لتستريح، بغض النظر عن المحتوى الذي ستكتبه أو أسلوب الكتابة، المهم أن تكتب.
علاج فعال لكثير من المشكلات:
أثبتت الدراسات النفسية الحديثة أن الكتابة العلاجية فعالة في تعافي الأشخاص الذين يعانون من بعض المشاكل الصحة والعقلية، مثل الاكتئاب أو اضطراب ما بعد الصدمة.
بالنسبة لبعض الأشخاص، قد يكون احتمال مقابلة المعالج وجهًا لوجه أمرًا صعبًا ومحرجًا، وفي حالات القلق أو الضيق يكونون أقل قدرة على التعبير عن مشاعرهم لفظيًا.
التعافي السريع:
الأفراد الذين عانوا من حدث مؤلم أو مرهق للغاية ، يمكن أن يكون للكتابة العلاجية تأثيرًا علاجيًا كبيرًا عليهم.
تم إجراء دراسة حديثة على مجموعة من الأفراد الذين يحاولون التعافي من صدمات مختلفة، وقد أحرزوا نتائج أفضل بعد استخدامهم للكتابة لمدة 15 دقيقة ، أربعة أيام متتالية لمدة أربعة أشهر (Baikie & Wilhelm ، 2005).
اختبرت دراسة أخرى نفس تمرين الكتابة على أكثر من 100 مريض بالربو والتهاب المفاصل الروماتويدي، وكانت النتائج مماثلة. شهد المشاركون الذين كتبوا عن أكثر الأحداث إرهاقًا في حياتهم تقييمات صحية أفضل تتعلق بمرضهم (Smyth ، Stone ، Hurewitz ، & Kaell ، 1999).
كما ذكرت دراسة حديثة أن الكتابة التعبيرية قد تحسن أداء الجهاز المناعي، لكنها قد تحتاج إلى الاستمرار حتى تستمر الفوائد الصحية (موراي ، 2002).
تحدث مع نفسك بعمق:
في بعض الأحيان نود أن نكون قادرين على التحدث إلى شخص ما ولكن هذا غير ممكن. تتيح لك الكتابة العلاجية هذه الميزة ستكون أنت المتحدث والمستمع وليس أحد أقدر من نفسك على الشعور بك.
تخلص من الضغوط أولًا بأول:
عندما يقع حدث مرهق ، فإنه يتعارض مع قدرتنا على الاستمرار في اليوم بشكل طبيعي، نحتاج إلى معالجة الأحداث بشكل عاجل وسريع لنعود لحياتنا الطبيعية. هناك العديد من الطرق لتخفيف الضغوط مثل التحدث مع الأصدقاء، أو الذهاب في نزهة سريعة لكن أحيانًا لا تتوفر هذه الأساليب كما أنها تفريغ مؤقت للضغوط وليست حلًا لها.
الكتابة العلاجية هي أداة لتفريغ تلك الضغوط وضبطها بطريقة مثالية.
اكتب للأيام الصعبة:
نستخدم الكتابة العلاجية لحل المشكلات نعم، لكن هناك تجربة شخصية لي أنقلها لكم أجد أن لها تأثيرًرا مميزًا في حياتي: وهي أن تكتب حين تمر بيوم جميل ليكون حافزًا لك في الأيام الصعبة،عندما تشعر بالرضا والقدرة على التعامل مع الحياة اليومية ومهامها ، قد يكون من المفيد أن تكتب لنفسك خطابًا لتقرأه لاحقًا في الوقت الذي تفقد فيه السيطرة على الأمور، أو عندما تجد نفسك ضعيفًا لتستمد القوة من نفسك القوية ” خذ من فراغك لشغلك ومن شبابك لهرمك”
اكتب رسالة لنفسك في “يومك الجيد” تعبر فيها عن دعمك وتفهمك وتشجيعك لنفسك في “اليوم السيئ”.
في هذه الرسالة ، يمكنك تضمين كل ما يساعدك على الشعور بتحسن في تلك اللحظات، وما الذي ساعدك في الماضي، والأشياء التي يجب القيام بها للشعور بالرضا، والنصائح حول ما لا يجب فعله، ونقاط القوة والموارد الشخصية ، والأشياء التي تحتاج إلى معرفتها في ذلك الوقت الحاضر.
ولكن قبل كل شيء ، يجب أن تكون لطيفًا ورحيمًا ، وأن تُظهر الدعم والتفهم لنفسك الأكثر ضعفًا.
هل الكتابة العلاجية هي كتابة اليوميات ؟
يختلف العلاج الكتابي عن مجرد الاحتفاظ بدفتر أو يوميات في نقاط رئيسية:
التحديد: عادةً ما تكون الكتابة في مذكرات أو دفتر يومي ذات شكل حر ، حيث يقوم الكاتب بتدوين كل ما يظهر في رأسه، بينما تكون الكتابة العلاجية أكثر توجيهًا.
التحليل: تركز الكتابة في اليوميات أو المجلات بشكل عام على تسجيل الأحداث فور حدوثها ، بينما يركز العلاج بالكتابة على التفكير في الأحداث والأفكار والمشاعر التي يكتبها الكاتب والتفاعل معها وتحليلها.
النتائج: يعد الاحتفاظ بمذكرات أو دفتر يوميات هدفًا في ذاته لتدوين كل مايحدث لكن الكتابة العلاجية هدفها الأساسي أن تحصل على نتائج بعد التدوين.
يمكن أن يكون الاحتفاظ بدفتر يوميات مفيدًا للغاية لك، سواء كان ذلك لمساعدتك على تحسين الذاكرة ، أو تسجيل أجزاء مهمة من يومك، أو مجرد مساعدتك على الاسترخاء في نهاية يوم طويل.
هذه بالتأكيد ليست فوائد تافهة، لكن الفوائد المحتملة للكتابة العلاجية تصل إلى أبعد وأعمق من مجرد الكتابة في يوميات.
الاستخدام الصحيح للكتابة العلاجية:
تشير الدراسات إلى أن 15 أو 20 دقيقة فقط من 3 إلى 5 مرات في الأسبوع كافية للحصول على فوائد الكتابة العلاجية.
لاتحتاج أن تفرغ الكثير من الوقت ولا إلى مكتب مخصص – كما ترى في الأفلام والروايات العميقة- كل ماتحتاج إليه قلم ومفكرة خاصة بك أو حتى برنامجًا ذكيًا للكتابة على الهاتف.
ماذا لو لم يكن لدي وقت؟
تقترح الباحثة والكاتبة جيلي بولتون الكتابة لمدة ست دقائق للمشغولين حتى تصبح عادة يومية، لا تهتم بالقواعد النحوية أو الإملائية أو الأسلوب أو البنية أو إصلاح الأخطاء، فقط اكتب.
طريقة سريعة للكتابة العلاجية :
وفقًا للدكتورة إندرا سيدامبي ستفيدك هذه الطريقة جدًا:
حضر ورقة بها هذه العناصر الرئيسية كلما مررت بموقف صعب ابدأ في الإجابة عنها وسترى النتائج رائعة:
هذا يزعجك؟ فكر في المشكلة التي تواجهها وحاول تلخيصها في جملة واحدة.
كيف تشعر؟ اكتب كل المشاعر التي تشعر بها. تذكر أنه يمكن أن يكون أكثر من واحد، على سبيل المثال: غاضب – محبط – حزين.
ما هي الإجراءات التي اتخذتها؟ هل حاولت تجربة أي استراتيجية لحل المشكلة؟ ما هي النتائج التي حصلت عليها؟
كيف تخطط لحلها؟ سواء كنت قد اتخذت تدابير ولم تنجح كما تحب أو إذا لم تتخذها ، فقد حان الوقت للتفكير في حلول جديدة. اكتب خطة العمل الخاصة بك في جملة واحدة.
الكتابة العلاجية هي تقنية قوية تستخدم بشكل خاص كعامل مساعد في سياق التدخل العلاجي، ويمكنك القيام بذلك حتى عندما يكون لديك دقيقتان فقط في اليوم المهم أن تبدأ في استخدامها.
كيف أبدأ في الكتابة العلاجية؟
فكر في كيفية إعداد نفسك للنجاح في هذه التجربة المميزة، استخدم طريقة الكتابة المناسبة لك/ دفتر صغير أو كبير أو تطبيق للكتابة على هاتفك المحمول أو برنامج على جهاز الحاسب الشخصي المهم أن تكون طريقة مريحة ومتوفرة لك.
- حدد هدفًا للكتابة لفترة معينة من الوقت كل يوم.
- قرر مسبقًا متى و أين ستكتب كل يوم.
- اكتب ما الذي يجعلك ترغب في الكتابة في المقام الأول – قد يكون هذا أول إدخال لك في دفتر يومياتك.
بعد ذلك ، اتبع الخطوات الأربع للكتابة:
- ماذا تريد أن تكتب عنه؟ أطلق عنوانًا عامًا لكتابتك.
- راجع الموضوع في ذهنك، أغمض عينيك، خذ أنفاسًا عميقة ، وركز.
- تحقق من أفكارك ومشاعرك. فقط ابدأ الكتابة واستمر في الكتابة.
- احسب وقتك – اكتب لمدة 5 إلى 15 دقيقة متتالية.
ضع في اعتبارك ما يلي أثناء الكتابة:
- لا بأس أن تكتب بضع كلمات فقط ، ولا بأس أن تكتب عدة صفحات – فقط اكتب بالسرعة التي تناسبك.
- لا تقلق كثيرًا بشأن ما تكتب عنه، ركز على قضاء الوقت في الكتابة وإعطائها انتباهك الكامل.
- لا تقلق بشأن مدى جودة الكتابة – الشيء المهم هو كتابة ما هو منطقي بالنسبة لك وما يأتي بشكل طبيعي على ذهنك.
- اكتب كما لو أن لا أحد سيقرأه – سيساعدك هذا على تجنب “تجويد الكتابة” بدلاً من الكتابة براحة.
- قد يكون من الصعب البدء، لكن الخطوة الأولى هي الأصعب دائمًا.
نمر جميعًا بأوقات عصيبة ، ونكافح جميعًا للعودة إلى توازننا.
بالنسبة للبعض ، يمكن أن تتضمن العودة إلى التوازن زيارة طبيب نفسي، أو التحدث إلى صديق، بالنسبة للآخرين قد يكون بدء عمل جديد أو الانتقال إلى مكان جديد.
أما الأشخاص الأكثر ذكاءًا فيبدأون العلاج بالتحدث مع أنفسهم عبر السطور.
هل سبق لك أن حاولت استخدام الكتابة العلاجية؟ هل ستبدأ بالمحاولة ؟ كيف تعتقد أنها ستفيدك؟ دعنا نعرف أفكارك في التعليقات!
شكرا للقراءة، وكتابة سعيدة!
شكرا
عن نفسي غالبا نكتب الافكار اللي تجيني قبل النوم او تجي في طوابير الانتظار لاتذكرها لاحقا
جميل جدًا
واصل الكتابة عن كل شيء